لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر. يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضى أو سر إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الخلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله. رحم الله حسان بن ثابت رضي الله عنه إذ قال:
خلقت مبرءاً من كل عيب ... كأنك قد خلقت كما تشاء
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيباً باريء النسم
فتنزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه صلى الله عليه وسلم أيضاً:
بلغ العلى بكماله كشف الدجى بجماله
حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله
ورحم الله ابن الفارض حيث قال:
وعلى تفنن واصفيه بوصفه
يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك وابن عبدك وابن أمتك، صفوة خلقك وخليلك الرحمة المهداة، نبيك ورسولك الأمين محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي، مادامت السموات والأرض وبقيت الحياة في هذا الكون، منذ أن خلقت الخلق وإلى أن تقوم الساعة، صلاة وسلاماً ترضيك عنا وتليق بقدره الطاهر عندك، وبالقدر الذي أمرت به بقولك الحق: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، وأجعلها شاهدة لنا لا علينا، وأغنمنا شفاعته صلى الله عليه وسلم، يوم البعث وساعة الحشر ويوم يقوم الناس من القبور، ولا تحرمنا لذة النظر إليك، وجواره الكريم في جنة الخلد، صلواتك
ربي وسلامك عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن ونحن معهم يا رب العالمين. آمين.